مجلس الأمن منصة دولية لتبرير تحالف العدوان والحصار على اليمن

منظمة انتصاف – تقرير

المجلس حارس للمبادرة الخليجية وبعيداً عن الواقع اليمني ومعاناة الشعب

منذ إصدار مجلس الأمن للقرار رقم (2140) بتاريخ 26 فبراير 2014 والتعامل مع الحالة في اليمن من خلال الفصل السابع كغيرها من القرارات التي لم تلامس حقيقة الواقع اليمني بسبب تبني المجلس للرؤية الخليجية القاصرة ومصادرة حق الشعب اليمني في اتخاذ قراراته المصيرية بنفسه.
تفاقمت أزمة اليمنيين بعد هذا القرار حيث اعتبرت سلطات هادي أن مجلس الأمن أعطاها تفويضاً للاستمرار في الضغط على الشعب اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً فعادت لمحاولة قمع الاحتجاجات التي ظهرت بسبب سوء إدارة الدولة والفساد ورفع الأسعار وانعدام المشتقات النفطية وتوقف الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه بجانب التهرب من تنفيذ مخرجات الحوار الوطني ومحاولة فرض دستور جديد تم صياغته في الإمارات العربية المتحدة والزام المكونات الوطنية بالقبول به رغم احتوائه على مسألة حساسة خلافية وهي تقسيم البلد إلى أقاليم غير متفق عليها.
كل تلك الأحداث اضطرت المكونات الوطنية والثورية إلى إعادة تبني مطالب الثوار ومخرجات الحوار الوطني وبدء مسار ثوري سلمي تصعيدي جديد قابلته سلطات هادي بالقمع مما دعا الثوار إلى التخييم خارج العاصمة صنعاء تجنباً للاشتباك مع قوات الأمن.
استمر التصعيد الثوري متوازياً مع رفض هادي وحكومته لمطالب الثوار والوساطات الوطنية الكثيرة حتى كان يوم 21 سبتمبر 2014 حين أعلن الثوار السيطرة على العاصمة وكانت مفاجأة الثوار اليمنيين للعالم هو الخطاب المتلفز المباشر لقائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي الذي أعلن دعوته لجميع الفرقاء السياسيين والمكونات الوطنية والحزبية بما فيها هادي وحكومته إلى الشراكة والتعاون لإدارة البلد عبر اتفاق السلم والشراكة معلناً أن مكون (أنصار الله) لا ينوي الاستحواذ على السلطة، وهذا ما تم في 22 سبتمبر 2014، حيث نقلت الفضائيات المحلية والدولية مراسيم توقيع اتفاق تاريخي بين المكونات الوطنية ينهي الخلاف بينها ويؤسس لمرحلة انتقالية يبقى فيها هادي رئيسا للبلاد وتشكل حكومة كفاءات تنازل مكون أنصار الله عن حصته فيها للمكونات الجنوبية، وتم ذلك بترتيب وتنسيق مع الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن “جمال بن عمر”.
المجلس يرحب بأول قرارات الثوار بإعلان توقيع (اتفاق السلم والشراكة) رغم نسفه للمبادرة الخليجية:
ما كان من مجلس الأمن أمام هذه المفاجأة إلا إصداره بياناً ترحيبياً بهذا الاتفاق اليمني الذي لم يعرف عنه أو يشارك فيه أي طرف خارجي. جاء ذلك على لسان رئيس مجلس الأمن “سامانثا باور”، آنذاك من خلال بيان صحفي أصدره اليوم التالي 23 سبتمبر 2014 وجاء في مستهله: “يرحب أعضاء مجلس الأمن بتوقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية في اليمن الذي يبنى على مخرجات الحوار الوطني”، وحاول البيان أن يُقحم المبادرة الخليجية فأضاف “ومبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية”، رغم أن الاتفاق لم يذكر المبادرة الخليجية في أيٍ من مواده وحدد في ديباجته أن مرجعياته بشكل حصري هي مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل مع الالتزام بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، وأن الاتفاق يأتي استجابة لمطالب الشعب في التغيير السلمي والرفاه الاقتصادي واستقرار البلاد وتعزيز الوحدة الوطنية والسلام.
نص الديباجة: “بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، التي توافقت عليها جميع المكونات اليمنية والتي أرست أسس بناء دولة يمنية اتحادية ديموقراطية جديدة مبنية على مبادئ سيادة القانون والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد، والتزاماً بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، واستجابة لمطالب الشعب في التغيير السلمي وإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية وتحقيق الرفاه الاقتصادي، وخدمة للمصلحة الوطنية العليا، وتجسيداً للشراكة والتوافق في التشخيص والحلول والتنفيذ، والتزاماً باستقرار البلاد وتحقيق مستقبل ديموقراطي واعد ومشرق، ومن أجل الوحدة الوطنية وبناء السلام وتعزيزه، تلتزم الأطراف الموقعة أدناه التالي…”
وهنا يتضح بأن الاتفاق أعلن فيه الشعب اليمني والمكونات الوطنية السياسية والاجتماعية طي مرحلة المبادرة الخليجية وبدء مرحلة انتقالية جديدة مبنية على اتفاق سياسي جديد لا يتعلق بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، معلناً خارطة طريق مختلفة كلياً ويتضح ذلك من مواد وبنود الاتفاق والملحق الأمني الخاص به.
ولم يكتف المجلس بالترحيب، بل أكد أن الاتفاق يشكل “الوسيلة المثلى لتحقيق الاستقرار والحيلولة دون حدوث المزيد من العنف”، كما أكد المجلس تأييده لخطوات وإجراءات تيسير وتوقيع وتنفيذ الاتفاق وهي إجراءات قامت بها قيادة الثورة مع القوى الوطنية المؤيدة لها ابتداءً وبتنسيق ومباركة من المبعوث الأممي في اليمن، فجاء في البيان: “ويؤيد أعضاء مجلس الأمن جهود المستشار الخاص للأمين العام ومبعوثه الخاص إلى اليمن جمال بن عمر في تيسير التوقيع على هذا الاتفاق وتنفيذه”.
وفي محاولة يائسة من المجلس للحاق بركب الثوار اليمنيين واستمرار تدخله غير القانوني في شؤون اليمن الداخلية دعا البيان باسم أعضاء مجلس الأمن “كافة الأطراف إلى التنفيذ الكامل والفوري لجميع بنود هذا الاتفاق دون نقصان بما في ذلك تسليم كافة الأسلحة المتوسطة والثقيلة للأجهزة الأمنية الشرعية التابعة للدولة”، وأضاف: “يؤكد أعضاء مجلس الأمن على ضرورة تقيد كافة الأطراف بما في ذلك الحوثيين بشكل صارم ببنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية كاملة دون نقصان”، متناسياً ربما بسبب الصدمة بأن من يسميهم “الحوثيين”، هم من دعوا جميع الأطراف للتوقيع على الاتفاق بعد نجاحهم في السيطرة على صنعاء وأن توقيع كافة الأطراف قد تم فعلاً قبل أن يصدر مجلس الأمن بيانه الترحيبي.
واستمر مجلس الأمن في محاولاته “كما يؤكد أعضاء مجلس الأمن على أن الرئيس [عبدربه منصور هادي] يمثل السلطة الشرعية بناء على نتائج الانتخابات وبنود مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية. يجب أن تتوحد كل الأحزاب والأطراف السياسية في اليمن خلف الرئيس هادي لإبقاء الدولة على مسارها نحو الأمن والاستقرار”، فتأكيده أن عبد ربه هادي يمثل السلطة الشرعية جاء على الرغم من أن اتفاق السلم والشراكة أكد على استمراره في السلطة للقيام بمهام واضحة تمهيداً لانتخابات حقيقية، لكن المجلس حاول أن يبقي تعامله مع شرعيته وفق مبادرة وآلية خارجية من دول يراد لها أن يبقى لها وصاية على اليمن، كما ناقض المجلس بذلك اعترافه باتفاق السلم والشراكة الذي أعطى لهادي السلطة بشرط تنفيذ مهام محددة لتسيير المرحلة الانتقالية تُبعد اليمنيين عن أي نزاع، متناسياً أن المبادرة الخليجية حتى مع فرضها لهادي رئيساً لم تستطع أن تُبقي الدولة على مسارها نحو الأمن والاستقرار كونها لم تُصَغ إلا لإنقاذ نظام من ثورة شعب.

قد يعجبك ايضا