مجلس الأمن منصة دولية لتبرير التحالف والحصار على اليمن
منظمة انتصاف – تقرير
على الرغم من أن مجلس الأمن أكد في القرار (2201) أن مطالبه تأتي تأسيساً على القرار (2140) الباطل حجيته القانونية كونه مخالفاً لميثاق الأمم المتحدة ولواقع الحال في اليمن بزعم أن الحالة فيه تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، فإننا بعد استبعاد فقرات الاستهجان والشجب ـ التي تم نقاشها والرد عليها في الفقرات السابقة ـ وبالعودة إلى المطالب الأساسية للمجلس نجد أن القوى الوطنية والثورية وبما فيها أنصار الله قد استجابوا جميعاً لكافة تلك الطلبات ونوضح ذلك في الآتي:
o في الفقرة رقم (2) التي ناشد فيه مجلس الأمن جميع الأطراف في اليمن الالتزام بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور، كان هذا هو الواقع فعلاً فلم يكن هناك أي نزاعات مسلحة سوى مع تنظيم القاعدة، حيث نصت الفقرة على: “يكرر مناشدته جميع الأطراف في اليمن أن تلتزم بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور، وتنبذ أعمال العنف باعتبارها وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، وتمتنع عن اللجوء للأعمال الاستفزازية وأي إجراءات أحادية الجانب بهدف تقويض عملية الانتقال السياسي”، وأما الإجراءات التي أسماها “استفزازية وأحادية الجانب”، فقد بدأت من هادي ورئيس حكومته بحاح ولم يكن رد فعل القوى والمكونات الثورية عليها إلا بمعالجة الفراغ الدستوري الذي سبباه بتنصلهما عن مهامهما واتفاق السلم والشراكة لتقويض عملية الانتقال السياسي.
o وفي الفقرة رقم (3) التي نصت على: “يعرب عن قلقه البالغ إزاء استيلاء الحوثيين على المنابر الإعلامية للدولة ويرفض استخدام وسائط الإعلام للتحريض على العنف”، على الرغم من أن وسائل الإعلام لم تُستخدم من قبل الثوار للدعوة للعنف الذي لم يلجأوا إليه مع الشعب المساند لهم أساساً، ولم يكونوا بحاجة إليه بعد سيطرتهم على السلطة سلمياً واستقرار الوضع في البلد، وكان التحريض على العنف صادراً من وسائل الإعلام الخليجية وقتها وليس اليمنية.
o أما في الفقرة رقم (4) التي نصت على: “يهيب بشدة بجميع الأطراف- ولا سيما الحوثيين- أن تتقيد بمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها، وبنتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وباتفاق السلم والشراكة الوطنية ومرفقه الأمني، التي تنص جميعها على عملية انتقال ديمقراطي بقيادة يمنية”، فهذا ما التزمت به القوى الوطنية والثورية ومن خالفه هو هادي ورئيس حكومته عندما وضعا اليمن في فراغ دستوري اضطرت القوى الوطنية والثورية للتعامل معه لسد الفراغ وأعلنت استمرارها في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة ومرفقه الأمني للوصول إلى عملية انتقال ديمقراطي بقيادة يمنية.
o الفقرة رقم (5) التي نصت على: “يحث جميع الأطراف- ولا سيما الحوثيين- على التعجيل بإجراء مفاوضات شاملة للجميع، بوساطة من الأمم المتحدة، لمواصلة الانتقال السياسي بهدف التوصل إلى حل توافقي وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، واتفاق السلم والشراكة الوطنية ومرفقه الأمني، وتنفيذ هذا الحل”، فهذا ما قد سبق توضيحه أنه تم فعلاً بإشراف ودعم المبعوث الأممي في اليمن وكان مقر الحوار والمفاوضات فندق الموفنبيك في جلسات موثقة في وسائل الإعلام.
o الفقرة رقم (6) نصت على: “يحث جميع الأطراف على الاتفاق على مواعيد لإنهاء عملية التشاور الدستوري، وإجراء استفتاء بشأن الدستور، وإجراء انتخابات بموجب القانون الانتخابي الجديد عملا بالدستور الجديد، والإعلان عن هذه المواعيد”، فهذا ما كانت الأطراف على مقربة من الوصول إليه وإعلانه لولا إعلان التحالف بقيادة السعودية العدوان على اليمن، حسب تصريح المبعوث الأممي “جمال بنعمر”، في إحاطته أمام مجلس الأمن في 27 إبريل 2015 حيث قال: “وقد نجحت هذه الجهود في تقريب وجهات نظر الفرقاء بشكل كبير، حيث تم التوافق على معظم القضايا المطروحة ما عدا موضوع مؤسسة الرئاسة. لقد كان اليمنيون قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى حل سياسي، كما فعلوا حين وقعوا على اتفاق نقل السلطة واختتموا بنجاح مؤتمر الحوار الوطني وتبنوا اتفاق السلم والشراكة”، وأضاف “أن السبيل الوحيد لإعادة العملية السياسية إلى مسارها، وتحقيق استقرار وسلم مستدامين في اليمن يمر بالضرورة عبر حوار يمني- يمني، يكون فيه اليمنيون أسياد قرارهم بعيدا عن إملاءات أو تدخلات خارجية”(1).
o أما الفقرة رقم (7) فسنفند ما جاء فيها من طلبات بالتعليق الموجز أمام كل طلب، حيث خص بها المجلس مكون “أنصار الله”، وقد نصت على الآتي:
* “يطالب الحوثيين بالقيام، فورا ودون شروط، بما يلي:(أ) المشاركة بحسن نية في المفاوضات الجارية بوساطة من الأمم المتحدة”، فقد تم ذلك باعتراف المبعوث الأممي “جمال بنعمر”، الذي أوضح في كلمته أمام مجلس الأمن بتاريخ 12 فبراير 2015م ما نصه: “كما كان لي اتصال مباشر بالسيد عبدالملك الحوثي الذي أكد لي أنه يرحب بحل تفاوضي توافقي ترعاه الأمم المتحدة”(2).
* “(ب) سحب قواتهم من المؤسسات الحكومية، بما فيها تلك الواقعة في العاصمة صنعاء، وإعادة الحالة الأمنية إلى طبيعتها في العاصمة والمحافظات الأخرى، وفك سيطرتهم عن المؤسسات الحكومية والأمنية”
تم ذلك بنظر رئيس اللجنة الأمنية العليا حينها وزير الدفاع ومن بعده وزير الداخلية اللذين تم تعيينهما من قِبل هادي، حيث أشرفا على إعادة الحالة الأمنية إلى طبيعتها وقاما بإصدار قرارات دمج اللجان الأمنية والعسكرية الثورية في وزارتي الداخلية والدفاع(3)، وقد تم سحب كافة اللجان الأمنية والإدارية الثورية من المؤسسات الحكومية مع مراعاة حمايتها من النهب أو الانهيار خلال فترة زمنية مؤقتة، واستمرت اللجنة الثورية العليا بحماية مؤسسات الدولة وصرف رواتب الموظفين في جميع أنحاء الجمهورية حتى تم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
* “(ج) الإفراج عن الرئيس هادي ورئيس الوزراء بحاح وأعضاء مجلس الوزراء وجميع الأفراد الموجودين رهن الإقامة الجبرية أو الاحتجاز التعسفي سالمين”
لم يكن أعضاء مجلس الوزراء محتجزين أساساً وكان كثيرٌ منهم قد عاد لممارسة عمله ضمن حكومة تصريف الأعمال والبعض سافر إلى الخارج ولم يتم منعهم ومنهم رئيس الوزراء المستقيل بحاح، كما تم تخفيف القيود على هادي مما سبب هروبه إلى عدن وإعلانه حرب أهلية من عدن(4)، فهل مجلس الأمن يتحمل مسؤولية ما قام به هادي بعد ذلك؟
* “(د) الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أخرى من جانب واحد من شأنها أن تقوض الانتقال السياسي والأمن في اليمن”
تم الامتناع عن اتخاذ أي اجراءات واكتفت اللجنة الثورية العليا بتسيير شؤون الدولة وحمايتها من الدخول في فوضى وفراغ سياسي، وقامت بتهيئة مناخ التفاوض والحوار بين الأطراف، إلى أن سمح مجلس الأمن للتحالف بشن العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 م الذي لم تقم حكومة صنعاء باتخاذ أي إجراء دفاعي عليه إلا بعد مرور أربعين يوماً كاملة بُغية السماح لمجلس الأمن باتخاذ القرارات والإجراءات الكفيلة بحماية عضو في هيئة الأمم المتحدة من جريمة عدوان معلنة، ولكنه لم يحرك ساكناً.
نتيجة لذلك تغيرت الظروف بشكل جذري واضطلعت اللجنة الثورية والقوى الوطنية بالقيام بحقها المكفول والواجب قانوناً وشرعاً بالدفاع عن الوطن وحماية شعبه، مع مواصلة الحوار مع الأطراف السياسية في معادلة صعبة جداً لكنها أفضت إلى تشكيل تحالف وطني ومجلس سياسي أعلى بعضوية القوى السياسية وتشكيل حكومة ومد يد السلام والدخول في مفاوضات جنيف والكويت، ولكن مجلس الأمن- كما عهده اليمنيون- كانت مواقفه ما بين العدائية والسلبية.
o الفقرة رقم (8) نصت على: “يطالب جميع الأطراف في اليمن بوقف جميع الأعمال العدائية المسلحة ضد شعب اليمن وسلطاته الشرعية والتخلي عن الأسلحة التي استحوذت عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، وذلك وفقا لاتفاق السلم والشراكة الوطنية ومرفقه الأمني”
جاء هذا المطلب على الرغم من توقف جميع الأعمال المسلحة في اليمن حينها باستثناء مواجهة الدولة لتنظيم القاعدة، وقد سمح المجلس بعد ذلك لهادي بكافة أشكال الأعمال العدائية المسلحة ضد الشعب اليمني والسماح للتحالف بقيادة السعودية بالعدوان على اليمن بعد هروب هادي من البلد.
o أما الفقرة رقم (9) فكانت المفاجِئة في مصفوفة مطالب مجلس الأمن، حيث نصت على: “يناشد جميع الدول الأعضاء أن تمتنع عن التدخل الخارجي الذي يهدف إلى إثارة النزاعات وزعزعة الاستقرار، وأن تقوم بدلا من ذلك بدعم عملية الانتقال السياسي”، فالغريب أنه لم يستجب لهذه المناشدة أحد من دول الجوار وغير الجوار بل تم التمادي والتدخل ليس في عرقلة عملية الانتقال السياسي التي كانت مخرجاتها ستوقع في “الموفنبيك”، وإنما سمحت بالتدخل الخارجي للعدوان على اليمن أرضاً وإنساناً، ولم يصدر من مجلس الأمن بناءً على هذه المناشدة أي إدانة، فكيف يدين ما يقوم به جهازه التنفيذي وأعضاوه الدائمون وحلفاؤهم؟!
o بقية الفقرات تمثلت في مطالبة الأمين العام ومبعوثه في اليمن بمواصلة المساعي الحميدة وأهمية التنسيق مع الشركاء الدوليين بما يشمل مجلس التعاون الخليجي ومجموعة السفراء المعتمدين في صنعاء، حيث أظهر المجلس في هذه الفقرات استياءه المبطن من جهود المبعوث “جمال بنعمر”، التي كانت جهوداً حقيقية لتعزيز الاستقرار والانتقال السلمي في اليمن، فقد كان على ما يبدو يغرد خارج سرب مجلس الأمن وما يحاك داخل أروقته من مؤامرة على اليمنيين!
(1) إحاطة جمال بن عمر الأخيرة لمجلس الأمن بشأن اليمن مع المؤتمر الصحفي 27-4-2015 – YouTube
(2) كلمة جمال بن عمر مستشار الأمين العام المعني باليمن أمام مجلس الأمن – YouTube الدقيقة 5:40.
(3) اللجنة الأمنية العليا تناقش الموقف العسكري والأمني في العاصمة صنعاء وعموم المحافظات – سبأنت – وكالة سبأ (saba.ye)
(4) حملات تجنيد في عدن لتعزيز قدرات الجيش والأمن | أخبار عربي | الجزيرة نت (aljazeera.net)