مجلس الأمن منصة دولية لتبرير تحالف العدوان والحصار على الشعب اليمني

منظمة انتصاف – تقرير

لم يغير واقع الساحة اليمنية عدم اعتراف مجلس الأمن بالثورة الشعبية التي أنتجت “اتفاق السلم والشراكة”، المعترف به كمرجعية وطنية، والتي استطاعت بسط نفوذها في مختلف المحافظات وطرد “تنظيم القاعدة”، والصمود أمام عدوان قوات التحالف بقيادة السعودية.
فليس من صلاحيات مجلس الأمن فرض أجندته وخياراته السياسية على الشعب اليمني، كما أن ليس من حقه رفض الاعتراف بشكل الدولة والنظام والقيادة التي يختارها الشعب وتستطيع بسط سلطتها في إقليم الدولة وتعزيز سيادتها دون تدخل خارجي، حسب ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة والتي بينّاها في ما سبق.
لكن مجلس الأمن وعلى غير عادته في تعامله مع الملف اليمني والتي لم تخرج عن دعمه للانقلابات أو بتجاهلها ولم يسبق للمجلس أن دعم بقاء نظام تم الانقلاب عليه أو ثار عليه الشعب، فانقلاب 1948 الذي قاده “عبدالله الوزير”، بعد تنفيذه عملية اغتيال الإمام “يحيى حميد الدين”، لم يصدر عن مجلس الأمن أي قرار يدين قتل ملك اليمن المعترف به في الأمم المتحدة حينها، ولم يتدخل المجلس كون ما يجري في اليمن شأن داخلي واستمر اعترافه بتولي الإمام “أحمد حميد الدين”، زمام الدولة واحترام حق حكومته في تمثيل الدولة لدى الأمم المتحدة، عوضاً على اعتراف المجلس بولي عهده “، محمد البدر”، وتعامل المجتمع الدولي معه بشكل طبيعي .
المجلس لم يستمر في التعامل مع اليمن بنفس المنهجية فعندما لمس ضعف الدولة في نهاية عهد الإمام “أحمد حميد الدين”، بدا راضياً عن إزالة نظام قوي يحكم اليمن ويحافظ على سيادتها، وظهر ذلك جلياً في تعامله الإيجابي مع كافة الانقلابات والاعتراف بأنظمتها ورؤسائها وحكوماتها، رغماً أن تلك الانقلابات أطاحت بحكام يعترف مجلس الأمن بشرعيتهم بل وغيرت شكل ونظام الدولة باستخدام القوة والجيوش الأجنبية، كما حصل في انقلاب 1962 الذي غير شكل الدولة من “ملكية”، إلى “جمهورية”، بقوة الجيش المصري وطائراته.
الموقف الذي اتخذه المجلس من انقلاب 1962م كان داعماً ومؤيداً عبر عدم التدخل وإدانة العدوان المصري على اليمن سواءً بطائراته أو بجيشه الذي اجتاح الأراضي اليمنية وخاض معركة طويلة مع اليمنيين لم تنتهِ إلا في عام 1967م.
سارع مجلس الأمن بفرض الاعتراف بالانقلاب والنظام الجمهوري الجديد ورئيسه “عبدالله السلال”، على الأمم المتحدة، فلم يمر أكثر من شهرين حتى استطاع “محسن العيني”، إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته مندوباً للجمهورية العربية اليمنية”، وفي أبريل 1963م قدم هو بنفسه أوراق اعتماده للرئيس الأمريكي جون كيندي كأول سفير لليمن لدى الولايات المتحدة التي تزعمت الضغط على أعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة للاعتراف بالانقلاب في اليمن، ولم يصدر عن مجلس الأمن سوى القرار رقم (179) بعد عشرة أشهر من الانقلاب والعدوان المصري، أعلن فيه المجلس تأييده لوساطة مبعوث الأمين العام بين السعودية ومصر لفض نزاعهما داخل اليمن دون أي إدانة أو إشارة إلى معاناة الشعب وضحاياه.
واصل مجلس الأمن سياسته تجاه اليمن باعترافه بكافة الانقلابات التي تلت أحداث 1962م، مروراً بانقلاب 5 نوفمبر 1967م على الرئيس “عبدالله السلال”، بعد مغادرته البلد إلى العراق، وانقلاب 13 يونيو 1976م على الرئيس “عبدالرحمن الارياني”، رئيس المجلس الجمهوري حينها والذي استقال وغادر إلى جمهورية مصر العربية، وانقلاب 11 أكتوبر 1977م الذي نُفذ باغتيال الرئيس “إبراهيم الحمدي”، وانقلاب 24 يونيو 1978م الذي نُفذ كذلك باغتيال الرئيس “أحمد الغشمي”، بعبوة ناسفة، صعد على إثر ذلك “عبدالكريم العرشي”، رئيساً للمجلس الرئاسي الذي سمي حينها “مجلس الشعب التأسيسي”، ثم تنحى خوفاً من أن يطاله الاغتيال وصعد “علي عبدالله صالح”، رئيساً في 17 يوليو 1978م.
لم يعترض مجلس الأمن على كل تلك الانقلابات ولم يبالِ بإصدار أي قرار يدين أو يستخدم الفصل السابع بسبب سقوط آلاف الضحايا سواءً في العدوان المصري أو الحروب الأهلية كحرب 1948م وحرب المناطق الوسطى 1974-1978م التي تغافل عنها تماماً، وحرب 1994م وحروب صعدة 2004-2010م.
لكن مجلس الأمن عاد ليغير استراتيجيته تجاه اليمن ويكيل بمكيالين ليرجح كفة مصالح الدول الكبرى الطامعة في ثروات اليمن والسيطرة على الموقع الجغرافي، فبعد اشتعال فتيل الثورة ضد الرئيس الأسبق “علي عبدالله صالح”، ونظامه في 11 فبراير 2011م، حيث سعى للالتفاف على الثورة الشعبية وإنقاذ نظام “علي صالح”، وضمان حصر انتقال السلطة في نفس رجاله وأعمدة نظامه الذين يدينون بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من دول الخليج، وعمل المجلس – ومن خلال “المبادرة الخليجية“ – على نقل السلطة إلى نائب “صالح”، “عبد ربه منصور هادي”، أو إلى أخيه غير الشقيق وقائد أهم قوات جيشه “علي محسن الأحمر”(1)، الذي عُين حالياً نائباً لـ”هادي”.
لم يقتصر الاهتمام المفاجئ لمجلس الأمن بإصدار القرارين (2014 و2051) بل أنه استخدم وسائل وطرقاً تهديدية واستثنائية في سبيل فرض “المبادرة الخليجية”، راميا بكل ثقله على الشعب اليمني حتى وصل به الحال أن يعقد اجتماعا استثنائيا وسرياً للمجلس في “دار الرئاسة”، بصنعاء بتاريخ 27 يناير 2013م، كان من أهم مخرجات تلك الجلسة هي إقرار تنفيذ خطة إعادة هيكلة الجيش، وتكرار إعلان دعم المجلس للمبادرة الخليجية متوعداً بالعقوبات لكل من يرفض أو يعارض المبادرة الخليجية.
ذلك التوجه والأسلوب التهديدي الرافض لاحترام قرار الشعب وحقه في تقرير مصيره والساعي لفرض الإجراءات السياسية التي يعارضها بالقوة، اتضح في ما أورده المجلس في بيانه الرئاسي الصادر عقب جلسته (6922) المعقودة في 15 فبراير 2013 في ما يتعلق بنظر المجلس في البند المعنون “الحالة في الشرق الأوسط”، والذي نص على: “ويحث مجلس الأمن كافة الأطراف في اليمن على التقيد بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور، ونبذ أعمال العنف الرامية إلى تحقيق الأهداف السياسية، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، والامتثال بشكل تام للقرارين 2014 (2011) و2051 (2012)، ويعرب مجلس الأمن عن قلقه من الأنباء التي تفيد بتدخل أشخاص في اليمن يمثلون النظام السابق، والمعارضة السابقة، وأشخاص آخرين لا يتقيدون بالمبادئ التوجيهية لاتفاق آلية تنفيذ عملية الانتقال، بمن فيهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونائب الرئيس السابق علي سالم البيض، ويكرر مجلس الأمن تأكيد استعداده للنظر في اتخاذ تدابير أخرى، بما في ذلك في إطار المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، في حال استمرار الأعمال الرامية إلى تقويض حكومة الوحدة الوطنية والانتقال السياسي.”
كل ما سبق يؤكد أن مجلس الأمن لا يضع مصلحة الشعب اليمني في حساباته كما هو الحال في تعامله مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية، وأن معياره الوحيد للاعتراف برئاسة وحكومة الدولة هو تثبيت حكم قيادة مسيرة من قبله تضمن تحقيق المصالح الاستعمارية لدول لم تستطع تقبل انتصار ثورة واختيار الشعب لقيادة وحكومة يمنية استطاعت أن تحكم الدولة وتفرض سيادتها بعيداً عن إملاءات الخارج.
(1) اليمن.. من هو اللواء الأحمر؟ –RT Arabic

قد يعجبك ايضا