أكذوبة السلام في مؤتمر الرياض أكبر كارثة إنسانية خلال السنوات الماضية على مستوى العالم
منظمة انتصاف – تقرير
إعداد/ مركز البحوث والمعلومات
يبقى السلام مطلبا إنسانياً مهماً يمكن الوصول إليه عندما تتوفر له شروط موضوعية يمكن تنفيذها وتحقيقها على أرض الواقع، والبحث عن السلام الحقيقي غاية لكل اليمنيين من أجل بقاء الوطن وضمان استقراره مستقبلاً.
ولكن عندما تكون الدعوة إلى تحقيق السلام في اليمن من قبل أطراف دولية متورطة بصورة مباشرة في أكبر كارثة إنسانية خلال السنوات الماضية على مستوى العالم، جراء تدخلها في شؤون اليمن وإعلانها الحرب والتدخل العسكري المباشر وتنفيذها حصاراً شاملاً “براً وبحراً وجواً” على اليمن، وهو ما تسبب في أزمة انسانية غير مسبوقة حسب تصنيف الأمم المتحدة.
نعم الحديث هنا عن المملكة السعودية وعن دعوت مجلس التعاون الخليجي إلى عقد مشاورات سياسية بين مختلف الأطراف اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، بهدف الخروج بحلول توافقية يُمكنها من وقف الحرب في المرحل الأولى، وفي المرحلة الثانية العودة إلى المسار السياسي للوصول إلى تسوية شاملة للأزمة اليمنية.
وبعيداً عن موقف المكونات اليمنية المختلفة من المشاركة في تلك المشاورات، يمكن القول أن البحث عن تحقيق السلام في اليمن له مسار واضح لا يختلف عليه أحد، ولكن المتابع للتصريحات المختلفة عن الحوار المزمع اقامته في الرياض وعن حديث المسؤولين في المملكة عن ضرورة الحوار ما بين الفرقاء اليمنيين من أجل تحقيق السلام المنشود، تتملكه الدهشة المفزعة من جانب والمضحكة من الجانب الأخر، والدهشة هنا مسببة كون السعودية لا تنفك في دعوت مختلف الأطراف اليمنية إلى الحوار والمفاوضات فيما بينهم في محاولة منها لتظليل الرأي العام في اليمن والمملكة والعالم أجمع بأنها غير متورطة بصورة مباشرة في العدوان، أما المضحك في تلك التصريحات يكمن في من يريد الانخداع جراء تلك الدعوات دون أن يدرك أن ما تعيشه اليمن منذ عقود من انعدام للاستقرار والامن والامان ليس إلا نتيجة للتدخل السعودي المباشر وغير المباشر في اليمن، وبالتالي فإن الهدف الحقيقي من وراء تلك الدعوات ليس إلا محاولة متأخرة من قبل حكام المملكة لتحقيق مكاسب سياسية بعد أن فشلت كافة الخيارات العسكرية في حربهم على اليمن هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى تلك الدعوات تهدف إلى تخفيف الضغوط الدولية على المملكة بعد اتهامات بتسببها في اطالت الأزمة وتعقيد الصراع في اليمن.
بمعنى أخر، ما يتم التسويق له من خلال الدبلوماسية والإعلام السعوديين يهدف في المقام الأول: إلى تجاوز التداعيات الكارثية على المملكة جراء حربها الهمجية على اليمن، وفي المقام الثاني: الترويج لولي العهد محمد بن سلمان بأنه القائد المُلهم صاحب الامكانيات الكبيرة القادرة على تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال التدخل في مختلف الملفات الشائكة ومنها الملف اليمني المُعقد عبر جمع الفرقاء اليمنيين، وإصلاح ذات البين فيما بينهم.
يمكن القول أن البحث عن تحقيق السلام في اليمن له مسار واضح كما ذكرنا سابقاً وليس إلى مهرجان جماهيري دعائي، ولن يكون من الصعب على النظام السعودي ومن ورائه استحضار النوايا الصادقة من أجل الذهاب في مسار السلام من خلال تنفيد إجراءات محددة لبناء الثقة، كبادرة حسن نية، وفي مقدمتها: فك الحصار على ميناء الحديدة ومطار صنعاء وعدم ربط القضايا الخلافية والمعقدة السياسية منها والعسكرية بالملف الإنساني، ولكن الإصرار من قبل النظام السعودي في إقامة ما يسمى بـ “مؤتمر الرياض” يمكن فهمه من خلال عدة نقاط، أهمها:-
اتساع رقعة الخلاف ما بين الرياض والامم المتحدة لم يعد خافياً على أحد، ولا سيما مع امتناع السعودية وبقية دول الخليج في المشاركة بمؤتمر المانحين الذي تم عقده من قبل الأمم المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية، والمتابع للعلاقة ما بين الطرفان فيما يخص الملف اليمني يلاحظ؛ أن مؤتمر المانحين الأخير كشف عن خلافات حادة في ما بينهما وعلى وجه الخصوص منذ أن كشف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن خططه في ما يخص الملف والأزمة اليمنية.
وعلى ما يبدو أن اللقاءات التي أجراها ويجريها المبعوث خلال المرحلة الأخيرة، لم تجد قبولاً من الرياض، لا سيما وأن التسريبات عن فحوى تلك اللقاءات تشير إلى أن هناك توجه ورغبة أممية في إحداث تغيير في موازين القوى في حكومة هادي، من خلال إعادة هيكلتها بصورة كبيرة، وصولاً الى تقييد صلاحيات عبدربه منصور هادي ونقلها إلى نائب رئيس جمهورية جديد يتم التوافق عليه في المستقبل القريب.
يضاف إلى ما سبق، أن المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، أكد في أكثر من لقاء واحاطة أمام مجلس الأمن عن تبنية خطة شاملة للتسوية في اليمن من خلال إنشاء عملية متعددة المسارات “سياسية وأمنية واقتصادية” يمكنها أن تساهم في معالجة مطالب أطراف الصراع ومصالحها المتباينة.
تلك التسريبات عن ما دار ويدور في اجتماعات ولقاءات المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن لا يمكن تقبُلها من قبل المملكة، اعتقاداً أن المساس بالشرعية “المزعومة” المتمثلة في عبدربه منصور هادي ليس مقبولاً البته، لا سيما وأن مبرر تدخلها في اليمن جاء كما تدعي بطلب من هادي بصفته رئيساً شرعياً للجمهورية اليمنية، وأن المساس بتلك الشرعية سوف يلغي مبرر تدخلها في الشؤون اليمنية مستقبلاً.
ذلك الخلاف ما بين المنظمة الأممية والمملكة اتضح بصورة كبيرة في مؤتمر المانحين الذي ترعاه المنظمة الدولية لدعم جهود الاستجابة الإنسانية في اليمن، وبخلاف ما كان في المؤتمرات السابقة، لم تعلن الرياض وبقية دول الخليج العربي عن أي تعهدات مالية محددة.
منذ وصول الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى البيت الأبيض في يناير 2021 كان من الواضح أن مسار العلاقة ما بين واشنطن والرياض ليست على ما يرام، لا سيما وأن الرئيس الأمريكي صرح في اكثر من مناسبة أن العلاقة مع السعودية سوف يعاد تقييمها، ومع مرور الوقت تزايدت الضغوط الأمريكية ولا سيما في ما يخص عزمها في وقف حرب اليمن، ولم تقف تلك الضغوط عند هذا الحد ولكنها تتعاظم مع قرب إحياء اتفاق 2015 النووي مع إيران، الذي سوف يعيد الكثير من عوامل القوى للإيرانيين.
الفشل العسكري خلال سبعة أعوام وتعاظم الخسائر العسكرية البشرية والمادية من الجانب السعودي وتزايد الخلافات مع الإمارات خلال المرحلة الماضية، دفع بالرياض إلى البحث عن انتصارات دبلوماسية جوفاء (مؤتمر الرياض) خاصة بعد أن تزايدت المؤشرات على تحقيق حليفها الإماراتي مزيد من السيطرة الجغرافية من خلال عملائها ولا سيما في مدينة عدن والمحافظات المحيطة بها، فضلاً عن احكام أبوظبي السيطرة بصورة أكبر على جزيرة سقطرى، ودخولها محافظة شبوة النفطية وإقصاء المواليين للرياض ومحافظها محمد صالح بن عديو من منصبه.
ومن خلال ما تقدم يمكن القول، أن الدعوة إلى السلام بحاجة إلى اكثر من مجرد اكذوبة يمكن تسويقها من الجانب السعودي وإعلامه، لا سيما وأن الحديث عن الحوار والسلام لا ينسجم مع الممارسات على الأرض، ولنا في الحصار الجائر على ميناء الحديدة ومطار صنعاء لدليل واضح على أن السياسات القائمة من قبل النظام في السعودية تجاه اليمن مازالت كما عهدنا سابقاً لم تتغير وعلى ما يبدو أنها لن تتغير في المستقبل القريب.